في حين كان ينتظر اللبنانيون إعلان ورقة واحدة إثر «لقاء الاثنين» بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلّف تأليف الحكومة سعد الحريري، وهي مرسوم تأليف الحكومة، كُشفت الأوراق كلّها إلّا ورقة التأليف. التضارب في الأوراق والبيانات المعلنة بين القصر الجمهوري و»بيت الوسط»، الذي جمّد مسار التأليف مجدداً، أتى بعد «نصيحة» الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله للحريري بتأليف حكومة تكنو - سياسية، وتباين في الموقف الحكومي بين «الحزب» وحركة «أمل»، التي أكّدت التزامها المبادرة الفرنسية وحكومة إختصاصيين غير حزبيين. هذا كلّه بالتوازي مع حركة إقليمية - دولية، ما جعل جهات سياسية ترى، أنّ «الحكومة بيد الخارج أو رهينة مصالحه، تحديداً المصلحة الإيرانية. إذ من غير الواقعي أن تكون العرقلة داخلية صرف، في ظلّ هذا الانهيار الكبير». إلّا أنّ في «عين التينة» كان حسم بأنّ الأزمة «من عندياتنا ونص».
ما يلبث أن يتطوّر الملف الحكومي ويتقدّم مسار التأليف حتى يعود الى نقطة الصفر، تحديداً من خلال «عدم اتفاق» عون والحريري المولجين التأليف. وبمعزل عن النوايا الحقيقية لكلا الطرفين، دستورياً لا يمكن أيٌ منهما فرض تشكيلة أحادية، وأحد منهما ليس قادراً على إقصاء الآخر أو إخراجه من موقعه أو من المعادلة. وبالتالي لا يُمكن أن تخرج الحكومة من عنق الزجاجة إلّا بالتوافق بينهما، الأمر المتعذر منذ تكليف الحريري منذ 5 أشهر. وفي وقتٍ يبحث عون عن أفكار وحلول للخروج من أزمة التأليف، لا تزال المسلّمات نفسها لدى الحريري: «لا اعتذار ولا تراجع عن حكومة اختصاصيين غير حزبيين ولا ثلث معطّلاً»، بحسب ما تؤكّد مصادر «بيت الوسط».
وإذ اختلط «الحابل بالنابل» على اللبنانيين جراء الأوراق التي كشفها الحريري والقصر الجمهوري، تحديداً الورقة التي أرسلها عون الى الرئيس المكلّف مساء الأحد الماضي، كنموذج للتأليف، مذيلّاً بعبارة «من المستحسن تعبئته»، تجزم مصادر «بيت الوسط»، أنّ «الورقة التي كشف عنها القصر الجمهوري مُحيت منها حصّة عون إن لجهة الحقائب أو أسماء الوزراء، فرئيس الجمهورية حدّد حصته كالآتي: 7 وزراء في حكومة من 18 وزيراً، 8 وزراء في حكومة من 20 وزيراً و10 وزراء في حكومة من 22 وزيراً، وبالتالي «الثلث المعطل»، وإلّا لما كشف الحريري عن ذلك ومن القصر الجمهوري».
كلام «بيت الوسط» يتقاطع مع معطيات أوساط قريبة من «الثنائي الشيعي» عاملة على خط التأليف. وتؤكّد أنّ الحريري كان وافق على حكومة من 20 وزيراً، كذلك وافق على أن يسمّي عون وزير الداخلية، بحيث يطرح عدداً من الأسماء على الرئيس المكلّف، إلّا أنّ هذه المبادرة التي قادها رئيس مجلس النواب نبيه بري ووافق عليها الحريري و»حزب الله»، ارتطمت بتشبّث عون بـ»الثلث المعطّل»، علماً أنّ الرئيس يرفض اعتبار هذه الحصّة «ثلثاً معطلاً»، إذ إنّ وزير «الطاشناق» ليس ضمن حصّته، فيما أنّ بقية الأفرقاء يحسبون أنّ حصة عون تتضمّن هذا الوزير الأرمني.
وبالتالي، إنّ «العقدة هي نفسها» بحسب المصادر إيّاها. وتضيف: «فريق عون «عينه» على ما بعد الحكومة، وعلى ما بعد انتهاء العهد، وعلى الانتخابات النيابية المقبلة، ففي حساباته أنّ الحكومة التي ستؤلف وتصبح حكومة تصريف الأعمال عند انتهاء ولاية عون، هي التي ستحكم، لذلك يسعى الى تحسين شروطه حكومياً. كذلك في حساباته، أنّه قد يواجه بتغيير قانون الانتخابات النيابية الذي يتمسّك به، فضلاً عن تراجع شعبيته في البيئة المسيحية. أضف الى ذلك تبدُّل التحالفات الانتخابية. إذ إنّ تحالفه مع «المستقبل» أسفر عن حصوله على مقاعد نيابية في الشمال وزحلة وجزين».
أمّا في «عين التينة»، فالنصيحة الموجّهة الى المعنيين بالتأليف هي الآتية: «إنّ سياسات الفيتو في لبنان لا تنفع. فأحد لا يمكنه أن يلغي أحداً. بل يجب اعتماد «الهجوم الإيجابي». فنحن أبناء البلد الواحد، وإذا تراجع أحد خطوة الى الوراء لصالح البلد، لا يكون عمله هذا انكساراً». وفي النصيحة أيضاً: «إنّ العالم كلّه متجّه نحو التهدئة، وهناك توجُّه لإنهاء حرب اليمن، وهذه الخطوة الأولى على درج الحلول في المنطقة. وللمرة الأولى هناك إجماع أميركي - أوروبي - روسي على حكومة وبرئاسة الحريري، فلتُعطَ هذه الحكومة فرصةً مهما يكن، فأحد في الداخل أو الخارج، لا يريد عزل الرئيس عون». وتؤكّد أن «لا يوجد أي حائل غريب أمام تأليف الحكومة، بل إنّه من عندياتنا ونص».
كذلك، تنفي مصادر «عين التينة» أن يكون هناك خلاف مع «حزب الله»، موضحةً أنّ نصرالله «لم ينعِ حكومة الإختصاصيين» بل قدّم طرحاً بديلاً إذا لم يجر التوافق عليها. إلّا أنّ التباين بين الحركة «و»الحزب» حكومياً، فضلاً عن موضوع حاكم مصرف لبنان، استدعى اجتماعاً، أمس الأول، بين مسؤولين من الجهتين، لتأكيد التنسيق التام في الملفات كافة، بتوجيه من بري ونصر الله.
وتقول مصادر «أمل: «الحركة والحزب تنظيمان مختلفان، ولكلّ طرف شخصيته ويعبّر عن سياسته، فيما هناك قضايا استراتيجية لا يمكن اللعب فيها، وهي المشكلات في الساحة، وهي ممنوعة وخط أحمر وموضوع المقاومة، وذلك بقرار واقتناع من الطرفين. أمّا في التحرُك السياسي فأي طرف لا يملي شيئاً على الآخر، والدليل على ذلك المواقف من انتخاب عون حتى الآن، لكن هذا لا يفسد في الودّ قضية». وتوضح، أنّ «إذا كان هناك من سوء فهم في مكانٍ ما، تتحرّك القيادتان لتوضيح هذا الأمر». وبالنسبة الى نتيجة اللقاء، تؤكّد المصادر نفسها، أنّ «الأمور في نصابها، واتفقنا على بذل مساعٍ في الإطار الذي يطرحه الرئيس بري، ومقتنع به «الحزب»، في سبيل استكمال الحوارات للتقريب ما بين «بيت الوسط» وبعبدا». وتشير الى أنّ «الحزب مقتنع بوجهة نظرنا، كذلك مقتنع ومتمسّك بالحريري في رئاسة الحكومة، ويوافق على حكومة اختصاصييين متى جرى الإتفاق عليها».
وبالتالي، ما زال بري يحاول على الخط الحكومي و»لن يتوقف»، لكنه يفضّل «العمل على الكلام، ولا يقول فول إلّا ما يصير بالمكيول، ولا يحرق المراحل، ويسعى الآن الى تنفيس الاحتقان والتقاء الأفرقاء بنوايا حسنة».